قصة «الثعلب والديك» في السياسة!
توفيق أبو شومر
قصة «الثعلب والديك» في السياسة!
الكوفية أرجو ألا تطبقوا قصة «الثعلب والديك» على أميركا في عهدها الجمهوري الراهن تحت حكم الرئيس، دونالد ترامب، على الرغم من أن القصة تشبه ما تفعله أميركا اليوم في ملف، أوكرانيا، وغزة، وإيران، وآخرها ملف فنزويلا الجديد!
سأظل أتذكر قصة «الثعلب والديك» وهي قصة منسوبة إلى أيسوب، ويقال: إن اسم أيسوب محرف من الاسم الحقيقي (الإثيوبي) المنسوب إلى دولة إثيوبيا، أيسوب يُشبه عنترة بن شداد، البطل العربي المُستعبَد، والذي نال حريتَه بالبطولة والتضحية دفاعاً عن قبيلة بني عبس، أما أيسوب فهو كذلك عبدٌ في التراث اليوناني عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وتنسب له قصص خرافية عديدة، نال حريته بوساطة إبداعاته القصصية الشبيهة بقصص ابن المقفع في كتابه «كليلة ودمنة»، من هذه القصص قصة «الديك والثعلب»!
قصة «الديك والثعلب» تُروى بطرقٍ عديدة، تحكي القصةُ أن ثعلباً جائعاً أراد قنص ديكٍ فصيحٍ حسن الصوت يحمى حظيرة من الدجاجات دون أن يستثير مالكي الديك، فأجرى الثعلبُ مع الديك حواراً محاولاً تبرير التهامه، فطرح عليه مجموعة من الأسئلة قبل التهامه فسأله: «برِّر لي إنك أيها الديك لستَ مُزعجاً توقظ النائمين مبكراً؟ رد الديك الفصيح: لكنني أوقظ العمالَ النائمين ليفلحوا حقولهم في الصباح الباكر لتثمر أشجارهم ويعم الخيرُ على الجميع! سأل الثعلبُ الديك: إن صوتك رديءٌ لا يصلح للإيقاظ، إنه يسبب الألم، فما ردك؟ رد الديك الفصيح: إن صوتي جميل بشهادة زوجاتي الدجاجات الجميلات اللاتي يُصفِّقن بأجنحتهن لي كل صباح، ردَّ الذئبُ: ولكنك توزع المرضَ على الحظيرة بقدميك المتسختين، رد الديكُ: اعتادت أجمل دجاجاتي أن تغسل لي كل مساءٍ قدميَ بماء يقضي على المرض، قال الذئب: لكنك بخيل لا تمنح الدجاج من علف الحبوب إلا الفاسد الجارح؟ ردَّ الديكُ، أنا ألتقط علف الحبوب الطازجة بمنقاري وأضعه في مناقير الدجاج بلا تمييز، احتار الثعلب ولم يجد عيباً في الديك، فقال: «ولكن لا مبرر لك أيها الديك أن أظل جائعاً يومين كاملَين»، فالتهمه!
سأظل أتذكر أن هناك قصة ديك وثعلب أخرى جرت في أوائل ستينيات القرن الماضي، عندما جرى اغتيال الرئيس الكنغولي، باتريس لومومبا المنتخب بعد فوزه بنسبة 90% من الأصوات، وكانت تهمة، لومومبا أنه شيوعي موالٍ للرئيس جمال عبد الناصر والاتحاد السوفياتي، وأنه سيفسد قارة إفريقيا كلها، وما زلت أتذكر أن الكونغو كانت مستعمرة بلجيكية وأصر الملك البلجيكي بودوان أن يشارك في الاحتفال باستقلالها وأن يلقي كلمة في الاحتفال عام 1960، رغم أن برنامج الحفل لم يتضمن كلمة الملك فهو مدعوٌّ فقط، فصعد الملك وتحدث عن بطولات الجيش البلجيكي في الكونغو وعن التضحيات المالية المدفوعة للكونغو، حينئذٍ اختطف لومومبا الميكروفون منه وقال: «تذكروا أنكم كنتم تمارسون سياسة العبودية ضدنا، تذكروا أنكم نهبتم ثرواتنا، وملأتم سجونكم بأهلنا، تذكروا إهانتكم لنا لأننا زنوج»!
عندئذٍ قررت بلجيكا بالتضامن مع أميركا القضاء على باتريس لومومبا بادعاء أنه شيوعي مناصر لروسيا والصين، فجرى افتعال انفصال إقليم كاتنغا عن الكونغو واختطافه واغتياله بوساطة القوات البلجيكية بالتعاون مع المخابرات الأميركية، واقتياده إلى غابة مهجورة وإذابة عظامه ولحمه بالأسيد في منطقة مهجورة يوم السابع عشر من كانون الثاني 1961م، وتمكن الرئيس جمال عبد الناصر من إنقاذ أسرته وحمل الأسرة بطائرة مصرية إلى القاهرة، وكان منسق عملية الإنقاذ الفريق سعد الدين الشاذلي!
هذه القصة لها شبيه بالواقع اليوم في ظل الحكومة الأميركية والدول الأوروبية، خاصة حكومة ترامب، هو أيضاً شبيهٌ بالتهمة التي وجهها ترامب لزهران ممداني عمدة نيويورك الجديد بأنه شيوعي! وكذلك اتهام رئيس فنزويلا بأنه تاجر مخدرات وشيوعي!
والحقيقة هي أن فنزويلا انتخبتْ عام 2024 الرئيس نيكولاس مادورو بنسبة 90% بالضبط مثل نتيجة انتخابات باتريس لومومبا في الكونغو عام 1960م، ولكن الرئيس مادورو قرر أن يعيد حقوق فنزويلا المسلوبة في إقليم (إيسيكويبو) التابع لدولة غويانا، فحسب زعمه أن الإقليم السابق هو مساحة من الأرض المغتصبة من فنزويلا، مع العلم أن دولة غويانا كانت في السابق مستعمرة بريطانية وهي دولة غنية بالمعادن الثمينة والبترول والغاز، مع العلم أن فنزويلا نفسها تملك خُمس احتياط العالم من البترول!
ادعى دونالد ترامب أن فنزويلا ورئيسها مادورو يصدران مخدرات الكوكايين إلى أميركا، وهو يناصر العدوَّيْنِ اللدودَين (الصين وروسيا) وكذلك الهند، وإيران، وكوريا! لم يذكر الرئيس ترامب أن سبب هذه الهجمة والتهديد بالتخلص من الرئيس الفنزويلي مادورو عسكرياً يعود إلى مئات آلاف المهاجرين الفنزويليين إلى أميركا، وهم من الفئات التي يسميها ترامب (القمامة)!
كذلك عندما نعود إلى التاريخ القديم ونتذكر أبشع جرائم بريطانيا المتمثلة في شركة «الهند الشرقية» التي كانت تمثل صورة الثعلب في قصة أيسوب هذه الشركة (الثعلبية) شنَّت حربين كبرتَيْنِ على الصين عامَي 1840 و1856، وجرى اقتطاع هونغ كونغ من الصين، لأن الصين كانت المهدد التجاري الأكبر لبريطانيا، فقد كانت تصدر لبريطانيا الحرير والشاي والبورسيلان، ولا تستورد شيئاً من بريطانيا. بريطانيا أرادت إذلال الصين وغزوها، فادعت أن الصين دولة دكتاتورية لا تسمح بالتجارة الحرة، لذلك قررت بريطانيا أن تُغرق الأسواق الصينية بالأفيون المزروع في الهند لكي تنشر الإدمان الذي بلغ ذروته في الصين، فقد أصبح عشرات الملايين من الصينيين مدمنين على تعاطي المخدرات، لذلك غزت السفن البريطانية والفرنسية بمعونة أميركية سواحل الصين، في حرب الأفيون الأولى عام 1840، أجبرت القواتُ الغازية الصينَ على التوقيع على اتفاقية مذلة، واقتطعت من الصين جزيرة هونغ كونغ، ثم في حرب الأفيون الثانية في عام 1856 غزت القوات البريطانية والفرنسية مدينة بكين، وسرقت هذه القوات الغازية الآثار والجواهر التابعة لأباطرة الصين القدماء!
أجبرتُ دولُ الحلفاء (بريطانيا، وفرنسا، وأميركا) الصين على أن تفتح موانئها كلها للتجارة الخارجية، وأن تلتزم بإعفاء البضائع المستوردة من تلك الدول من جميع الضرائب!
مع العلم أن بريطانيا التي كانت تزرع الأفيون في الهند وتشحنه في السفن إلى الصين لتبيعه للصينيين، كانت تحظر نشر الأفيون في بريطانيا نفسها!
إن قصة «الثعلب والديك» لا تزال تُطبق حتى اليوم، وما زال ملف الرئيس جمال عبد الناصر ماثلاً أمامنا، فهو عند الدول الغربية وأميركا شيوعي معادٍ للغرب، ويسعى لتكوين إمبراطورية عربية كبرى، خاصة عندما أعلن الوحدة بين مصر وسورية في 22 شباط 1958، وجرى توقيع ميثاق الجمهورية المتحدة بين سورية، ومصر، يمثل سورية شكري القوتلي ويمثل مصر جمال عبد الناصر. اختير جمال عبد الناصر رئيساً، وصارت القاهرة عاصمة للجمهورية المتحدة الجديدة!
لم ينس (الثعالب) ما فعله عبد الناصر حين أمَّم شركة قناة السويس لتصبح شركة مصرية بحتة في 26 تموز 1956، جاء القرار رداً على انسحاب الولايات المتحدة وبريطانيا من ملف تمويل بناء السد العالي، كان العدوانُ الثلاثي المكون من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل نتيجة التأميم!
كذلك الحال، فإن قانون الثعالب والديكة كان واضحاً في إنهاء حكم الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003، بدأت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في وضع خطط لغزو العراق.. ادعى الرئيس بوش (الثعلب) أن صدام كان يواصل تخزين وتصنيع أسلحة الدمار الشامل، وأن العراق يقع ضمن «محور الشر» العالمي إلى جانب إيران وكوريا الشمالية، وفي تشرين الأول عام 2002، أجاز الكونغرس الأميركي استخدام القوة العسكرية ضد العراق.
ولا أنسى أن المؤامرة التي جرت على الرئيس ياسر عرفات واغتياله بالسم تقع ضمن سيناريو الثعلب والديك، فهو راع للإرهاب رغم أنه حاصلٌ على جائزة نوبل للسلام وليس الحرب، فهو المحرّض على استيراد السلاح في سفينة «كارين إي»، وهو الذي سبّب الانتفاضة، وهو الذي أعطى الضوء الأخضر للعمليات «الإرهابية» ضد الإسرائيليين!